فصل: الخبر عن الخلافة الاسلامية في هذه الطبقة وما كان منها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الاسلام ثم الاتفاق والجماعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  خبر العنسي

كان الأسود العنسي واسمه عَبْهَلَةُ بن كعب ولقبه ذو الخِمارِ وكان كاهناً مُشَعوذاً يفعل الأعاجيب ويخلب بحلاوة منطقه وكانت داره كهف خيار بها ولد ونشأ وادعى النبوة وكانت مذحجاً عامَّة فأجابوه وأوعدوا نجران فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزام وخالد بن سعيد بن العاص وأقاموه في عملها‏.‏ ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد فأجلوه‏.‏ وسار الأسود في سبعمائة فارس إلى شهر بن باذان بصنعا‏:‏ فلقيه شهر بن باذان فهزمه الأسود فقتله وغلب على ما بين صنعاء وحضرموت إلى أعمال الطائف إِلى البحرين من قبل عدن وجعل يطير استطارة الحريق وعامله المسلمون بالتقية وارتد كثير من أهل اليمن‏.‏ وكان عمرو بن معد يكرب مع خالد سعيد بن العاص فخالفه واستجاب للأسود فسار إِليه خالد ولقيه فاختلفا ضربتين فقطع خالد سيفه الصمصامة وأخذها ونزل عمرو عن فرسه وفتك في الخيل ولحق عمرو بن الأسود فولاه على مذحج وكان أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث المرادي وأمر الأبناء إلى فَيْروُز ودادَوَيْهَ‏.‏ وتزوَّج امرأة شهر بن باذان واستفحل أمره‏.‏ وخرج معاذ بن جبل هارباً ومرّ بأبي موسى الأشعري في مأرب فخرج معه ولحقا بحضرموت ونزل معاذ في السكون وأبو موسى في السكاسك ولحق عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بالمدينة‏.‏ وأقام الطاهر بن أبي هالة ببلاد عك‏:‏ جبال صنعاء‏.‏ فلما ملك الأسود اليمن واستفحل استخف بقيس بن عبد يغوث وبفيروز ودادويه وكانت ابنة عم فيروز هي زوجة شهر بن باذان التي تزوجها الأسود بعد مقتله واسمها أزاد‏.‏ وبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب مع وَبْرِ بن عُنَيْسَ إلى الأبناء وأبى موسى ومعاذ والطاهر يأمرهم فيه أن يعملوا أمر الأسود بالغيلة أو المصادقة‏.‏ ويبلغ عنه ما يروم عنده ديناً أو نجدة وأقام معاذ والأبناء في ذلك فدخلوا قيس بن عبد يغوث في أمره فأجاب ثم داخل فيروز بنت عمه زوجة الأسود فواعدته قتله‏.‏ وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن شمر الهمداني وبعث جرير عبد الله إلى ذي الكِلاع وذي أمران وذي ظَلِيم من أهل ناحيته وإلى أهل نجران من عربهم ونصاراهم واعترضوا الأسود ومشوا وتنحوا إلى مكان واحد وأخبر الأسود شيطانه بغدر قيس وفيروز ودادويه فعاتبهم وهمّ بهم ففرّوا إلى امرأته وواعدتهم أن ينقبوا البيت من ظهره ويدخلوا فَيُبَيتوه ففعلوا ذلك ودخل فَيْرُوز ومعه قيس ففتل عنقه ثم ذبحه فنادى بالأذان عند طلوع الفجر ونادى دادَوَيه بشعار الإسلام‏.‏ وأقام وبر بن حُنَيْس الصلاة واهتاجِ الناس مسلمهم وكافرهم وماج بعضهم في بعض واختطف الكثير من أصحابه صبياناَ من أبناء المسلمين وبرزوا وتركوا كثيراً من أبنائهم‏.‏ ثم تراسلوا في ردّ كلٍّ ما بيده وأقاموا يتردَّدون فيما بين صنعاء ونجران وخلصت صنعاء والجنود‏.‏ وتراجع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وتنافسوا الإمارة في صنعاء‏.‏ ثم اتفقوا على معاذ يصلي بهم وكتبوا إلى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بالخبر وكان قد أتاه خبر الواقعة من السماء فقال في غداتها‏:‏ قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك وهو فيروز‏.‏ ثم قدمت الرسل وقد تَوفي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بعث اسامة ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجِّة الوداع آخر ذي الحجة ضرب على الناس في شهر المحرّم بعثاً إلى الشام وأمر عليهم مولاه أسامة بن زيد بن حارِثَةَ وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم إلى الأردنّ من أرض فِلَسْطِين ومشارف الشام‏.‏ فتجهز الناس وأوعب معه المهاجرون الأوّلون فبينا الناس على ذلك ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بشكواه التي قبضه اللّه فيها إلى كرامته ورحمته وتكلم المنافقون في شأن أسامة‏.‏ وبلغ الخبر بارتداد الأسود ومسيلمة وخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه من الصداع وقال‏:‏ إني رأيت البارحة في نومي أن في عضدي سِوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذين الكذابين‏:‏ صاحب اليمامة وصاحب اليمن‏.‏ وقد بلغني أن أقواماً تكلموا في أمارة أسامة طعنوا في أمارته لقد طعنوا في أمارة أبيه من قبله وإن كان أبوه لحقيقاً بالامارة وإِنه لحقيق بها انفروا‏.‏ فبعث أسامة فضرب أسامة بالحرق أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما قضى حجة الوداع تحلَّل به السير فاستكى وطارت الأخبار بذلك فوثب الأسود باليمن كما مرّ ووثب مسيلمة باليمامة ثم وثب طُلَيْحَةُ بن خُوَيْلِد في بني أسد يدّعي كلهم النبوّة‏.‏ وحاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسل والكتب إِلى عماله ومن ثبت على إسلامه من قومهم أن يجدّوا في جهادهم‏.‏ فأصيب الأسود قبل وفاته بيوم ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله والذبِّ عن دينه فبعث إلى المسلمين من العرب في كل ناحية من نواحي هؤلاء الكذابين يأمرهم بجهادهم‏.‏ وجاء كتاب مسيلمة إليه فأجابه كما مرّ‏.‏ وجاء ابن أخي طليحة يطلب الموادعة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم حتى كان من حكم اللّه فيهم بعد وفاته ما كان‏.‏ مرضه صلى الله عليه وسلم أول ما بدىء به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من ذلك أن الله نعى إليه نفسه بقوله‏:‏ ‏"‏ إذا جاء نَصْرُ الله والفَتْحُ ‏"‏ إلى آخر السورة‏.‏ ثم بدأه الوجع لليلتين بقيتا من صفر وتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذِنّ له وخرج على الناس فخطبهم وتحلَّل منهم وصلى على شهداء أُحُد واستغفر لهم ثم قال لهم‏:‏ إن عبداً من عباد اللهّ خيَّره اللّه بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده‏.‏ وفهمها أبو بكر فبكى فقال‏:‏ بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال‏:‏ على رسلك يا أبا بكر‏.‏ ثم جمع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فرحّب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيراً وقال‏:‏ أوصيكم بتقوى اللّه وأوصي اللّه بكم وأستخلفه عليكم وأودعكم إليه إِني لكم نذير وبشير ألاَ تعلوا على الله في بلاده وعباده فإنه قال لي ولكم‏:‏ ‏"‏ تلك الدارُ الآخِرَة نجعلها للذين لا يُريدون عًلُوًا في الأرض ولا فسادأ والعاقِبَةُ للمتًقين ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ أليس في جهنم مَثْوىً للمُتَكَبِّرِين ‏"‏‏.‏ ثم سألوه عن مغسله فقال‏:‏ الأدنَوْن من أهلي وسألوه عن الكفن فقال‏:‏ في ثيابي هذه أو بياض مصر أو حلَّة يمانيَّة‏.‏ وسألوه عن الصلاة عليه فقال‏:‏ دعوني على سريري في بيتي على شفير قبري ثم أخرجوا عني ساعة حتى تصلي عليّ الملائكة ثم ادخلوا فوجاً بعد فوج فصلوا وليبدأ رجال أهل بيتي ثم نساؤهم‏.‏ وساألوه عمن يُدْخِلُهُ القبر فقال‏:‏ أهلي‏.‏ ثم قال‏:‏ ائتوني بدواه وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلُون بعده فتنازعوا وقال بعضهم إنه يهجر وقال بعضهم أهجر‏.‏ يستفهم‏.‏ ثم ذهبوا يعيدون عليه ثم قال‏:‏ دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه‏.‏ وأوصى بثلاث‏:‏ أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم وسكت عن الثالثة أو نسيها الراوي‏.‏ وأوصى بالأنصار فقال‏:‏ إنهم كَرِشي وعَيْلَتِي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئتهم فقد أصحبتم يا معشر المهاجرين تزيدون والأنصار لا يزيدون ثم قال‏:‏ سدّوا هذه الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم امرءاً أفضل يداً عندي في الصحبة من أبي بكر ولو كنت متخذأ خليلأ لاتخذت أبا بكر خليَلاَ ولكن صحبته إِخاء وإيمان حتى يجمعنا اللّه عنده‏.‏ ثم ثقل به الوجع وأغمي عليه فاجتمع إليه نساؤه وبنوه وأهل بيته والعباس وعليّ‏.‏ ثم حضر وقت الصلاة فقال‏:‏ مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس‏.‏ فقالت عائشة‏:‏ إنه رجل أسيف لا يستطيع أن يقوم مقامك فمر عمر فامتنع عمر وصلى أبو بكر‏.‏ ووجد رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم خفَة فخرج فلما أحسّ به أبو بكر تأخر فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامه مكانه وقرأ من حيث انتهى أبو بكر‏.‏ ثم كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر‏.‏ قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة وكان يدخل يده في القدح وهو في النزع فيمسح وجهه في الماء ويقول‏:‏ اللهم أعِنِّي على سكرات الموت‏.‏ فلما كان يوم الإثنين‏.‏ وهو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبحِ عاصباً رأسه وأبو بكر يصلي فنكص عن صلاته وردّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيده وصلَى قاعداَ على يمينه‏.‏ ثم أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم وذكَّرهم ولما فرغ من كلامه قال له أبو بكر‏:‏ إني أراك قد أصبحت بنعمة اللّه وفضله كما نحبّ وخرج إلى أهله في السنح‏.‏ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فاضطجع في حجرة عائشة ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر عليه وفي يده سواك أخضر فنظر إليه وعرفت عائشة أنه يريده قالت‏:‏ فمضغته حتى لان وأعطيته إياه فاستنّ به ثم وضعه‏.‏ ثم ثقل في حجري فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول‏:‏ الرفيق الأعلى من الجنة فعلمت أنه خيّر فاختار‏.‏ وفاته صلى الله عليه وسلم وكانت تقول‏:‏ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وذلك نصف نهار يوم الاثنين لليلتين من شهر ربيع الأول ودفن من الغد نصف النهار من يوم الثلثاء ونادى النَعِي في الناس بموته وأبو بكر غائب في أهله بالسنح وعمر حاضر فقامِ في الناس فقال‏:‏ إن رجالاً من المنافقين زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأنَّه لم يمت وأنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وليرجعنّ فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم وأقبل أبو بكر وقد بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه وقبَّله وقال‏:‏ بأبي أنت وأمي قد ذقت الموتة التي كتب الله عليك ولن يصيبك بعدها موتة أبداً‏.‏ وخرج إلى عمر وهو يتكلم فقال‏:‏ أنصت‏!‏ فأبى وأقبل على الناس يتكلم فجاءوا إليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا‏:‏ ‏"‏ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ‏"‏ الآية‏.‏ فكانْ الناس لم يعلموا أنَ هذه الآية في المنْزَلِ قال عمر‏:‏ فما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فوقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أنه قد مات‏.‏ وقيل تلا معها ‏"‏ إنك ميت وإنهم ميتون ‏"‏ الآية‏.‏ وبينما هم كذلك إِذ جاء رجل يسعى بخبر الأنصار انهم اجتمعوا في سقيفة بني ساعِدَةَ يبايعوا سَعْدَ بن عَبَادَةَ ويقولون‏:‏ منا أمير ومن قريش أمير فانطلق أبو بكر وعمر وجماعة المهاجرين إليهم وأقام علي والعباس وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد يتولون تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله عليّ مسنده إلى ظهره والعباس وابناه يقلِّبونه معه وأسامة وشقران يَصُبَّان الماء وعليّ يدلك من وراء القميص لا يفضي إلى بشرته بعد أن كانوا اختلفوا في تجهيزه‏.‏ ثم أصابتهم سِنَةٌ فخففُونا وسمعوا من وراء البيت أن اغسلوه وعليه ثيابه ففعلوا ثم كفنوه في ثوبين صحارِيًينِ وبُرْدِ حَبْرَة أدرج فيهنّ إدراجاً واستدعوا حفارين أحدهما يلحد والآخر يشق‏.‏ ثم بعث إليهما العباس رجلين وقال‏:‏ اللهم اغفر لرسولك فجاء الني يلحد وهو أبو طلحة زيد بن سهل كان يحفر لأهل المدينة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما فرغوا من جهازه يوم الثلثاء وضع على سريره في بيته‏.‏ واختلفوا أيدفن في مسجده أو بيته‏.‏ فكال أبو بكر‏:‏ سمعته صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما قبض نبي إِلا يدفن حيث قبض فرفع فراشه الذي قبض عليه وحفر له تحته‏.‏ ودخل الناس يصلون عليه أفواجاً الرجال ثم النساء ثم الصبيان ثم العبيد لا يؤمّ أحدهم أحداً ثم دفن من وسط الليل ليلة الأربعاء‏.‏ وعن عائشة توفي لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول فكملت سنو الهجرة عشر سنين كوامل وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل خمس وستين سنة وقيل ستين‏.‏ خبر السقيفة ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إرتاع الحاضرون لفقده حتى ظن بعضهم أنه لم يمت واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يبايعون سعد بن عبادة وهم يرون أن الأمر لهم يما أووا ا ونصروا وبلغ الخبر إلى أبي بكر وعمر فجاءوا إليهم ومعهم أبو عبيدة ولقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فأرادوهم على الرجوع وخفضوا عليهم الشأن فأبوا إلا أن يأتوهم فأتوهم في مكانهم ذلك فأعجلوهم عن شأنهم وغلبوهم عليه جماعاً وموعظة‏.‏ وقال أبو بكر‏:‏ نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك وانتم لكم حق السابقة والنصرة فنحن الأمراء وانتم الوزراء‏.‏ وقال الحَبابُ بن المنذر بن الجَموح‏:‏ منا أمير ومنكم أمير وإِن أبوا فاجلوهم يا معشر الأنصار عن البلاد فبأسيافكم دان الناس لهذا الدين‏.‏ وإِن شئتم أعدناها جَذَعةً أنا جُذَيْلُها المُحًكّك وعُذَيْقُهَا المُرَجِّب‏.‏ وقال عُمَرُ‏:‏ إِنَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أوصانا بكم كما تعلمون ولو كنتم الأمراء لأوصاكم بنا‏.‏ ثم وقعت ملاحاة بن عمر والمنذر بن الحباب وأبو عبيدة يخفضهما ويقول‏:‏ اتقوا الله يا معشر الأنصار أنتم أوَّل من نصر وآزر فلا تكونوا أوَل من بدَل وغَيّر‏.‏ فقام بشير بن سعد بن النُّعمانِ بن كَعْبِ بن الخَزْرَج فقال‏:‏ ألا إِن محمداً من قريش وقومه أحق وأولى ونحن وإِن كنا أولى فضل في الجهاد وسابقة في الدين فما أردنا بذلك إلاَ رضى اللّه وطاعة نبيِّه فلا نبتغي به من الدنيا عِوَضاً ولا نستطيل به على الناس‏.‏ وقال الحبَّاب بن المنذر‏:‏ نفست والله عن ابن عمك يا بشير فقال‏:‏ لا واللّه‏!‏ ولكن كرهت أن أنازع قوماً حقهم فأشار أبو بكر إلى عمر وأبو عبيدة فامتنعا وبايعا أبا بكر وسبقهما إِليه بشير بن سعد‏.‏ ثم تناجى الأوس فيما بينهم وكان فيهم أُسَيْدُ بن حُضَيْر أحد النقباء وكرهوا إمارة الخزرج عليهم وذهبوا إلى بيعة أبي بكر فبايعوه‏.‏ وأقبل الناس من كلِ جانب يبايعون أبا بكر‏.‏ وكادوا يطأون سعد بن عَبَادَةَ‏.‏ فقال ناس من أصحابه‏:‏ اتقوا سعداَ ولا تقتلوه فقال عمر‏:‏ اقتلوه قتله الله وتماسكا فقال أبو بكر‏:‏ مهلاً يا عمر الرفق هنا أبلغ فأعرض عمر ثم طلب سعداً في البيعة فأبى وأشار بشير بن سعد بتركه وقال‏:‏ إنما هو رجل واحد فأقام سعد لا يجتمع معهم في الصلاة ولا يفيض معهم في الحديث حتى هلك أبو بكر‏.‏ ونقل الطبريّ أن سعداً بايع يومئذ وفي أخبارهم أنه لحق بالشام فلم يزل هنالك حتى مات وأن الجن قتله‏.‏ وينشدون البيتين الشهيرين وهما‏:‏ نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّد َالخَز رَجِِ سَعْدَ بن عَبَادَهْ فَرَمَيْنَاهُ بِسَ ميْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ

  الخبر عن الخلافة الاسلامية في هذه الطبقة وما كان منها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الاسلام ثم الاتفاق والجماعة

لما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمر السقيفة كما قدمناه أجمع المهاجرون والأنصار على بيعة أبي بكر ولم يخالف إِلا سعد إِن صح خلافه فلم يلتفت إليه لشذوذه‏.‏ وكان من أولى ما اعتمده أنفاذ بعث أسامة وقد أرادت العرب إِما القبيلة مستوعبة وإِما بعض منها‏.‏ ونجم النفاق والمسلمون كالغنم في الليلة الممطرة لقلتهم وكثرة عدوهم وإظلام الجو بفقد نبيهم‏.‏ وقف أُسامَةُ بالناس ورغب من عمر التخلف عن هذا البعث والمقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر‏.‏ وقالت له الأنصار فإن أبى إِلا المضي فليولّ علينا أسنّ من أسامة فأبلغ عمر ذلك كله أبا بكر فقام وقعد وقال‏:‏ لا أترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخرج أو أنفذه‏.‏ ثم خرج حتى أتاهم فأشخصهم وشَيعَهُمْ وأذن لعمر في الشخوص وقال‏:‏ أوصيكم بعشر فاحفظوها عليّ‏:‏ لا تخونوا ولا تَغلُوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الطفل ولا الشيخ ولا المرأة ولا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إِلا للأكل‏.‏ وإذا مررتم بقوم فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فْرغوا أنفسهم له‏.‏ وإذا لقيتم أقوامأ فحصوا أواسط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصايب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله عليه وكلوا‏.‏ ترفعوا باسم الله‏.‏ يا أسامة‏!‏ اصنع ما أمرك به نبيّ اللّه ابدأ ببلاد قُضَاعَةَ ثم أنت آفل ولا تقصر بشيء من أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم ودَعه من الحرف ورجع وقد كان بعث معه من القبائل حول المدينة الذين لهم الهجرة في ديارهم وحبس من بقي منهم فصار مسالح حول قبائلهم ومضى أسامة مغذاً وانتهى لما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث الجنود في بلاد قُضاعَةَ وأغار على أبنى فسبى وغَنِمَ ورجع لأربعين يوماً وقيل لسبعين ولم يحدث أبو بكر في مغيبه شيئاً وقد جاء الخبر بارتداد العرب عامة وخاصَّةً إِلا قريشاً وثقيفَاَ واستغلظ أمر مًسَيْلِمَةَ واجتمع على طُلَيْحَةَ عوام طَيْء وأسَدٍ وارتَدَت غَطَفَانُ وتوقفت هوازِنُ فأمسكوا الصَدقَةَ وارتد خواص من بني سُلَيْمٍ وكذا سائر الناس بكل مكان‏.‏ وقدمت رسل النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن واليمامة وبني أسد من الأمراء من كل مكان بانتقاض العرب عامة أو خاصة‏.‏ وحاربهم بالكتب والرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أُسامَةَ فعاجلته عبس وذُبيان ونزلوا في الأبْرَقِ ونزل آخرون بذي القصَةِ ومعهم خَبال من بني أسد ومن انتسب إليهم من بني كِنَانَةَ‏.‏ وبعثوا وفداً إلى أبي بكر نزلوا على وجوه الناس يطلبون الاقتصار على الصلاة دون الزكاة فأبى أبو بكر من ذلك وجعل على أنقاب المدينة علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد ورجع وفد المرتدين وأخبروا قومهم بقلة أهل المدينة فأغاروا على من كان بأنقاب المدينة فبعثوا إلى أبي بكر فخرج في أهل المسجد على النواضح فهربوا والمسلمون في اتباعهم إِلى ذي خَشَب‏.‏ ثم نَفَّروا إِبل المسلمين بِلُعْبَات اتخذوها فنفرت ورجعت بهم وهم لا يملكونها إلى المدينة ولم يصبهم شيء‏.‏ وظن القوم بالمسلمين الوَهْنَ فبعثوا إلى أهل في القِصَّةِ يستقدمونهم‏.‏ ثم خرج أبو بكر في التعبية وعلى ميمنته النعْمَانُ بن مُقَرنَ وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرن وطلع عليهم مع الفجر واقتتلوا فما ذرّ قرن الشمس إلا وقد هزموهم وغنموا ما معهم من الظَهْرِ وقتل خبال واتبعهم‏:‏ أبو بكر إلى ذي القصَةِ فجهز بها النعمان بن مقرن فقي عدد ورجع إلى المدينة‏.‏ ووثب بنو ذُبيانَ وعبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم وفعل ذلك غيرهم من المرتدين وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين مثل من قتلوهم من المسلمين وزيادة‏.‏ واعتزّ المسلمون بوقعة أبي بكر وطرقت المدينة صدقات‏.‏ وقدم أسامة فاستخلفه أبو بكر على المدينة وخرج في نفر إلى ذي خشب وإلى ذي قصَة‏.‏ ثم سار حتى نزل على أهل الرَبذَةِ بالأبْرَقِ وبها عَبْس وذبْيان وبنو بكر من كِنَانَةَ وثَعْلبَةُ بن سعدٍ ومن يليهم من مُرَّةَ فاقتتلوا وانهزم القوم وأقام أبو بكر على الأبرق وحرَم تلك البلاد على بني ذبيان ثم رجع إلى المدينة‏.‏ ردة اليمن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وبني كنانة عِتابُ بن أُسَيْدٍ وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبي العاص علي المدَرِ ومالك بن عوف على الوَبَرِ وعلى عجز هوازِنَ عِكْرِمَةُ بن أبي جهل وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزام على الصلاة وأبو سُفْيَانَ بن حرب على الصدقات وعلى ما بين زَمَعٍ وزُبَيْدَ إلى نجران خالد بن سعيد بن العاص وعلىً همدان كلها عامر بن شمر الهَمْدَانِي وعلى صنعاء فيروز الدَيْلَمِيُ ومسانِده دادويه وقيس بن مكشوح المرادي‏.‏ ورجعوا إليها بعد مقتل الأسود وعلى الجند يعلى بن أمية وعلى مأرب أبو موسى الأشعري وعلى الأشعرببن وعكّ الطاهر بن أبي هالة وعلى حضرموت زياد بن لبيد البياض وعُكاشَةُ بن ثور بن أصفر العوثي وعلى كِندَة المهاجر بن أبي أميَّة‏.‏ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليه في غزوة تبوك فاسترضته له أم سلمة وولاّه على كندة ومرض فلمِ يصل إليها‏.‏ وأقام زياد بن لبيد ينوب عنه وكان معاذ بن جبل يعلِّم القرآن باليمن يتنقَل على هؤلاء في أعمالهم‏.‏ وثار الأسود في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربه بالرسل وبالكتب فقتله الله وعاد الإسلام في اليمن كما كان فلما بلغه الموت انتَقَضَت اليَمَن وارتدَّ أهلها في جميع النواحي وكانت الغالة من جند العَنَسِي بين نجران وصنعاء لا يأوون إِلى أحد ورجع عمرو بن حِزام إلى المدينة واتبعه خالد بن سعيد‏.‏ وكان عمرو بن معد يَكرِبَ بالجبال حيال فروة بن مسيك وابن مكشوح وتحيل في قتل الأبناء فيروز ودادويه وخشنش والاستبداد بصنعاء‏.‏ وبعث إلى الغالة من جيش الأسود يُغْرِيهِم بالأبناء ويعدهم بالمُظَاهَرَةِ عليهم فجاءوا إليه وخشي الأبناء غائلتهم وفزعوا إليه فأظهر لهم المناصحة وهيأ طعاماً فجمعهم له ليغدر بهم فظهر منهم بدادويه وهرب فيروز وخشنش وخرج قيس في أثرهما فامتنعا بخولان أخوال فيروز وثار قيس بصنعاء وجبى ما حولهما وجمع الغالة من جنود الأسود إليه‏.‏ وكتب فيروز إِلى أبي بكر بالخبر فكتب له بولاية صنعاء وكتب إلى الطاهر بن أبي هالة بإعانته وإلى عكاشَةَ بن ثَوْرٍ بأن يجمع أهل تِهَامَةَ ويقيم بمكانه وكتب إلى ذي الكلاع سُمَيْقَح وذي ظَليمَ حَوْشَبَ وذي تَبانَ شَهِرٍ بإعانة الأبناء وطاعة فيروز وإن الجند يأتيهم‏.‏ وأرسل إليهم قيس بن مكشوح يغريهم بالأبناء فاعتزل الفريقان واتبعت عوامّهم قيس بن مكشوح في شأنه وعمد قيس إلى عيلات الأبناء الذين مع فيروز فَغَّر بهم وأخرجهم من اليمن في البر والبحر وعرضهم للنهب‏.‏ فأرسل فيروز إلى بني عقيل بن ربيعة وإلى عك يستصرخهم فاعترضوا عيال فيروز والأبناء الذين معه فاستنفذوهم وقتلوا من كان معه وجاؤوا إلى فيروز فقاتلوا معه قيس بن مكشوح دون صنعاء فهزموه ورجع إلى المكان الذي كان به مع فالة الأسود العنسي‏.‏ وانضاف قيس إلى عمرو بن معد يكرب وهو مرتدّ منذ تنَبّأ الأسود العنسي وقام حيال فروة بن مسيك وقد كان فروة وفد وأسلم وكذلك قيس واستعمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قيساً على صدقات مراد وكان عمرو قد فارق قومه سعد العشيرة مع بني زبيد وأحلافها وانحاز إليهم فأسلم معهم وكان فيهم‏.‏ فلما انتقض الأسود واتبعه عوام مذحج كان عمرو فيمن اتبعه وأقام فروة وكانت كِنْدة قد ارتدّوا وتابعوا الأسود العَنْسِيِّ بسبب ما وقع بينهم وبن زياد الكِنديّ في أمر فريضة من فرائض الصدقة أطلقها بعض بني عمرو بن معاوية بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة غلطاً فقاتلهم زياد وهزمهم فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة والردِة إِلا شُراحيلُ بن السمْط وابنه‏.‏ وأشير على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك وحضرموت وأبْضِعَةَ وجَمَدٍ ومشرح ومخوس وأختهم العمردة‏.‏ وهرب الباقون ورجع زياد بالسَّبِيّ والغنائم ومرّ بالأشعث بن قيس وبني الحرث بن معاوية واستغاث نساء السبيّ فسار الأشعث وتنقَذهم‏.‏ ثم جمع بني معاوية كلِّهم ومن أطاعه من السكاسك وحضرموت وأقام على ردَّته وكان أبو بكر قد حارب أهل الردة أولاً بالكتب والرسل كما حاربهم رسول صلى الله عليه وسلم إلى أن رجع أسامة بن زيد ثم كان أول مصادم فخرج إلىٍ الأبرق واستنفر من لم يرتدّ إِلى من ارتدّ‏.‏ وابتدأ بالمهاجرين والأنصار ثم استنفر كلا على من يليه حتى فرغ من آخر أمور الناس لا يستعين بمرتدّ‏.‏ وكتب إِلى عتاب بن أسيد بمكَّة وعثمان بن أبي العاص بالطائف بركوب من ارتدّ بمن لم يرتد وثبت على الإسلام من أهل عملها‏.‏ وقد كان اجتمع بتهامة وشباب من مدلج وخزاعة فبعث عتاب إليهم ففرَّقهم وقتلهم واجتمع بشنوءة جمع من الأزد وخثعم وبجيلة فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص من فرَّقهم وقتلهم‏.‏ واجتمع بطريق الساحل من تِهَامَةَ جموع من عكٍّ والأشْعَرِيِّينَ فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العَكِّي فهزموهم وقتلوهم وأقام بالأجناد ينتظر أمر أبي بكر ومعه مسروق العَكِّي وبعث أهل نجران من بني الأفعى الذين كانوا بها قبل بني الحرث وهم في أربعين ألف مقاتل وجاء وفدهم يطلبون إِمضاء العهد الذي بأيديهم من النبي صلى الله عليه وسلم فأمضاه أبو بكر إلا ما نسخه الوحي بأن لا يترك دينان بأرض العرب‏.‏ ورجعت رسل النبيّ صلى الله عليه وسلم الذين كان بعثهم عند انتقاض الأسود العنسي وهم جرير بن عبد اللّه والأقرع ووبر بن مخنس فرد أبو بكر جريراً ليستنفر من ثبت على الإسلام على من ارتدَّ ويقاتلوا خثعم الذين غضبوا لهدم ذيِ الحليفةِ فيقتلهم ويقيم بنجران فنفذ ما أمره به ولم يمر به أحد إِلا رجال قليل تَتَبَّعَهُم بالقتل وسار إلى نجران‏.‏ وكتب أبو بكر إلى عثمانَ بن أبي العاص أن يضرب البعوث على مخاليف أهل الطائف فضرب على كل مخلافٍ عشرين وأمَّر عليهم أخاه وكتب إلى عِتَابِ بن أبي أُسَيْد أن يضرب على مكَة وعملها خمسمائة بعث وأمَّر عليهم أخاه خالداً وأقاموا ينتظرون‏.‏ ثم أمر المهاجرين أبي أمية بأن يسير إلى اليمن ليصلح من أمره ثم ينفذ إلى عمله وأمره بقتال من بين نجران وأقصى اليمن ففعل ذلك‏.‏ ومر بمكة والطائف فسار معهم خالداً بن أسَيْدَ وعبد الرحمن بن أبي العاص بمن معهما ومر بجرير بن عبد الله وعُكاشَةَ بن ثور فضمَّهما إِليه‏.‏ ثم مرّ بنجران وانضمّ إليه فروة بن مُسَيْكٍ وجاءه عمرو بن معد يكَرِبَ وقيس بن مَكْشُوح فأوثقهما وبعث بهما إلى أبي بكر وسار إلى لقائه‏.‏ فتبعهم بالقتل ولم يؤمنهم فقتلوا بكل سبيل‏.‏ وحضر قيس عند أبي بكر فحظر قتل دادوية ولم يجد أمرأ جلياً في أمره وتاب عمرو بن معد يكرب واستقالا فأقالهما وردَّهما‏.‏ وسار المُهَاجِرُ حتى نزل صنعاء وتتبع ارتداد القبائل فقتل من قدر عليه وقبل توبة من رجع إليه‏.‏ وكتب إلى أبي بكر بدخوله صنعاء‏.‏ فجاءه الجواب بأن يسير إلى كِنْدَة مع عِكْرِمَةَ بن أبي جهل وقد جاءه من ناحية عمان ومعه خلق كثير من مَهْرَةَ والازْدِ وناجِيَةَ وعبد القَيْس وقوم من مالك بن كِنَانَةَ وبني العَبْتَرِ‏.‏ وقدم أبْيَنُ وأقام بها لاجتماع النَخْع وحِمْيَرٍ‏.‏ ثم سار مع المهاجر إلى كندة‏.‏ وكتب زياد إِلى المهاجر يستحثه فلقيه الكتاب بالمفازة بين مأرب وحضرموت‏.‏ فاستخلف عكرمة على الناس وتعجل إلى زياد ونهدوا إلى كندة وعليهم الأشعث بن قيس فهزموهم وقتلوهم وفروا إلى النُجَيْرِ حِصْن له فتحصَنوا فيه مع من استغووه من السكاسك وشذَاد السكون وحضرموت‏.‏ وسدُّوا عليهم الطرق إلا واحدة جاء عكرمة بعدهم فسدَها وقطعوا عنهم المدد وخرجوا مستميتين في بعض الأيام فغلبوهم وأخرجوهم‏.‏ واستأمن الأشْعَثُ إلى عِكْرِمَةَ بما كانت أسماء بنت النُعْمان بن الجَوْنِ تحته فخرج إليه وجاء به إِلى المهاجر وأمنه في أهله وماله وتسعة من قومه على أن يفتح لهم الباب فاقتحمه المسلمون وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فكان في السبي ألف امرأة‏.‏ فلما فرغ من النجير دعا بكتاب الأمان من الأشعث وإذا هو قد كتب غرض نفسه في التسعة رجال من أصحابه فأوثقه كتافاً وبعث به إلى أبي بكر ينظر في أمره‏.‏ فقدم السبايا والأسرى فقال له أبو بكر‏:‏ أقتلك قال‏:‏ إِني راودت القوم على عشرة وأتيناهم بالكتاب مختومة فقال أبو بكر‏:‏ إِنما الصلح على من كان في الصحيفة وأما غير ذلك فهو مردود‏.‏ فقال يا أبا بكر‏:‏ احتسب فَيّ وأقلني وأقبل إسلامي وردّ عليّ زوجتي وقد كان تزوَج أم فروة أخت أبي بكر حين قدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأخرها إلى أن يرجع فأطلقه أبو بكر وقبل إسلامه وردّ عليه زوجته وقال‏:‏ ليبلغني عنك خير‏.‏ ثم خَلّى على القوم فذهبوا وقسم الأنفال‏.‏